التعليم والاستدامة: ما الذي نعرفه وما الذي ينبغي عمله
لقد بين الفصل السابق العديد من الصلات التي تربط بين التعليم والتنمية المستدامة. ويُفهم منها أن الفوائد التي تُجنى من إتمام التعليم الابتدائي والثانوي مهمة جداً، ليس فقط للأفراد وإنما أيضاً لأسرهم ومجتمعاتهم وأماكن عملهم. فالرجال والنساء الذين حظوا بقسط أوفر من التعليم هم أرجح كفة من غيرهم ليكونوا أكثر وعياً من الناحية البيئية، وأكثر قدرة على التكيف مع آثار تغير المناخ، وأكثر انتاجية وإدراراً للدخل، وأوفر حظاً من غيرهم على العيش بصورة صحية وسليمة، والمشاركة في الحياة السياسية، والقدرة على ممارسة قدر أكبر من التحكم بحياتهم. أما فوائد تعليم الفتيات والنساء فهي عديدة ومشتركة بين الأجيال.
ثمة قلق من أن تطور الأوضاع العالمية يغير آثار التعليم. فالاقتصاد العالمي على سبيل المثال، خصَّ البعض بثروة هائلة وترك الآخرين مهيضي الجناح تتلاعب بهم رياح الاضطرابات الاقتصادية أو يعانون تحت وطأة الفقر المزمن. وتزيد الأزمات الاقتصادية الدورية الاضطرابات السياسية والنزاعات تفاقماً، وتجبر الملايين على النزوح والفرار. ثم إن الأزمات الناجمة عن الكوارث الطبيعية وتغير المناخ وما تسببه من نزوح السكان وتشردهم وانهيار مقومات عيشهم تقوض جهود البلد لتأمين 12 سنة على الأقل من التعليم للشباب واتاحة فرص حقيقية للتعلم مدى الحياة.
ولكي يتمتع التعليم بقدرة تحويلية تمكنه من دعم الخطة الجديدة للتنمية المستدامة، لا بد له من الارتقاء إلى مستوى أعلى مما هو عليه الآن، أي أن «التعليم على النحو المعتاد» لن يكون كافياً لتلبية متطلبات التنمية المستدامة. فالتعليم ينبغي أن يرتقي بالتفكير ليكون تفاعلياً وتكاملياً وتعاطفياً واستشرافياً وجامعاً. وينبغي أن تصبح المدارس أماكن مثالية تنضح بالاستدامة، وأن تكون ديمقراطية وشاملة للجميع وغير استبعادية، وأن تكون صحية خالية من الكربون، وبهذا تصبح قادرة على إرساء الأسس لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تبين التوصيات السياسية أدناه كيف يمكن لنظم التعليم أن تساهم بفعالية أكبر في تحقيق التنمية المستدامة.
- ينبغي دعم أوجه التعاون والتآزر عبر كافة القطاعات وبين جميع الشركاء. لما كانت المشاكل النظامية تتطلب عدة أطراف فاعلة ووجهات نظر متنوعة، ينبغي بذل المزيد من الجهود لإشراك جميع الشركاء، وبضمنهم الوزارات وخبراء التعليم والمجتمع المدني، على المستوى المحلي والوطني وفي جميع القطاعات.
- ينبغي أن تعتبر الحكومات التعليم والتدريب ضمن الإطارين النظامي وغير النظامي وسيلة أساسية لما تُبذل من جهود لمعالجة المشاكل الشاملة لقطاعات عدة. ويمكن للتعليم أن يصبح أداة فعالة لبناء القدرات في جميع القطاعات. ويتطلب العديد من غايات التنمية المستدامة مهارات وخبرات متخصصة توفرها نظم التعليم.
- بإمكان التعليم أن يساهم في الحد من عدم المساواة في الدخل، ولكن ليس بمفرده. وسيساعد فتح الباب واسعاً أمام الفئات المهمشة للانتفاع بتعليم ابتدائي وثانوي جيد على توفير مداخيل لائقة ويحد من أوجه التفاوت. ولا ينبغي للتغيرات التي تطرأ على سوق العمل والتكنولوجيا أن تكون على حساب العمال الذين لا يتمتعون بوظائف مستقرة، لا سيما في القطاع غير الرسمي.
لكي يتمتع التعليم بقدرة تحويلية تمكنه من دعم الخطة الجديدة للتنمية المستدامة، لا بد له من الارتقاء إلى مستوى أعلى مما هو عليه الآن، أي أن «التعليم على النحو المعتاد» لن يكون كافياً لتلبية متطلبات التنمية المستدامة
- تحتاج نظم التعليم إلى تمويل متزايد ومنتظم من أجل (أ) تعميم التعليم الابتدائي والثانوي؛ (ب) زيادة عدد المعلمين من ذوي الكفاء والدراية والالتزام؛ (جـ) توفير تعليم جيد للفئات المهمشة؛ (د) إعداد العدة لمواجهة تغير المناخ والنزاعات المحتملة الطويلة الأمد.
توخي المزيد من الإنصاف
- إن تعميم التعليم الابتدائي والثانوي، لا سيما بالنسبة للفتيات، أمر أساسي لتعزيز استقلالية المرأة وقدرتها على اتخاذ القرار أو المشاركة الفعالة في اتخاذه. ومن شأن تحقيق هذه الغاية الحد من النمو السكاني، وتحويل القواعد والممارسات الاجتماعية عبر الأجيال، وتخفيف العبء عن الكوكب.
- ينبغي للسياسات التعليمية التي تستهدف الأقليات واللاجئين والسكان المشردين داخل بلدانهم أن تضع في سُلّم أولوياتها التدريس باللغات المناسبة وضمان استخدام مناهج دراسية ومواد تعليمية غير متحيزة. إن إنشاء مجموعة من المعلمين المؤهلين الذين يتقنون اللغات المناسبة أمر ضروري في البلدان التي توجد فيها نسبة عالية من الأقليات الإثنية والسكان المهاجرين.
- ينبغي للتخطيط الحضري إشراك التخطيط التربوي، دون إغفال المناطق الريفية. إن تخطيط التعليم، من بين خدمات أساسية أخرى، مسالة حيوية للساكنين في المناطق الفقيرة. وينبغي توزيع المرافق العامة والمعلمين الجيدين توزيعاً عادلاً، وجعل المدارس أماكن آمنة خالية من العنف. وينبغي أن يراعي التخطيط المناطق الريفية التي تشهد انحساراً في نسبة السكان وضرورة تعزيز المدارس الريفية، وهو أمر يتطلب أيضاً مشاركة المجتمع المحلي.
تغيير مجالات التركيز في التعليم
- عند وضع السياسات الخاصة بتنمية المهارات، ينبغي لنظم التعليم أن تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المتوسطة والطويلة الأجل والآثار المترتبة على النمو المستدام. ومن الضروري تدريس المهارات الخضراء للطلاب وإعادة تدريب العمال وتحسين مهاراتهم من خلال توفير الفرص اللازمة لذلك، إلى جانب إجراء تغييرات في المناهج الدراسية للمرحلة الثانوية وما بعدها. ومن شأن التعاون المثمر مع القطاعين التجاري والصناعي أن يُحسِّن فعالية التعليم ونوعيته.
- يمكن لبرامج التربية المدنية والتثقيف في مجال السلام والاستدامة أن تكون رافعة قوية لتقدم التنمية المستدامة. إذ بإمكانها، لو طُبِّقت تطبيقاً فعالاً، أن تضمن وجود نظام للعدالة أكثر إنصافاً، وأن تساهم في بناء القدرات في مجال القضاء وإنفاذ القانون، وتساعد في تطوير مجتمعات بناءة أقل عنفاً، وترفع من مستوى الفهم للصلات التي تربط بين الثقافة والاقتصاد والبيئة، وتعطي أولوية للأنشطة التي تحسِّن مصير الأجيال القادمة.